خصائص التفكير المنهجي في الإسلام
الوحدة الفكرية
خصائص التفكير المنهجي في الإسلام
I - أسس ودعامات منهج التفكير في الإسلام
ا- مفهوم المنهج لغة واصطلاحا
المنهج لغة : هو الطريق المستقيم الواضح الذي يوصل إلى الغاية بسهولة ويسر.
واصطلاحا: هو مجموع القواعد العامة والخطوات والقوانين المنظمة التي تحكم عمليات العقل خلال البحث والنظر في مجال معين.
ب- أسس ودعامات منهجية التفكير في الإسلام
1- وحدانية الخالق : في الذات والصفات والفعل قال تعالى في سورة الشورى« لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) » فاستقامة العقل المسلم تكمن في إيمانه بوحدانية الله كأساس مسلم وبديهي غير قابل للنقاش .وانطلاقا من هذه الحقيقة يتشكل الفكر الإسلامي الصحيح ،ويتميز عن غيره من المنظومات الأخرى . وتكون المعرفة الناتجة عنه معرفة إسلامية .
2- استخلاف الإنسان في الكون : خلافة رعاية وإعمار وتسخير ،وهي مسؤولية مناطها حرية الإرادة والقرار، وقدرة مكتسبة من الوعي والتعلم
3- الحرية : والتي عليها تتأسس منهجية التفكير الإسلامي دون حتم أو إطلاق ،فالحرية قرينة الحياة، ومفهوم حرية الإرادة الإنسانية مركزي ،ينطوي على ثلاثة أبعاد لا يستقيم فهم منهجية التفكير الإسلامي بدونها
أ- بعد حرية العقيدة : قال تعالى «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ » سورة البقرة. وقال « وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» سورة الكهف فالحرية في الاختيار حق وموقف ومسؤولية ب- بعد حرية الفكر : وهو مكمل للحق الأول ومتفرع عنه، ومرتبط بالقناعة الأخلاقية للفرد.
ج- بعد حرية الأداء الاجتماعي : وعلى هذا الأساس يجب أن يتم وفق منهج يتكامل فيه أداء الفرد ويتفاعل مع أداء الجماعة كما و نوعا، لتحقيق غاياتهم في الحياة
4- السببية وفاعلية الإنسان : فالنظر في المسببات طريق إسلامي لمعرفة السبب الموجد لها ،ووظيفة المسلم اكتشاف الأسباب والسنن الجارية وامتلاكها ،لتغيير الواقع وإقامة المنشود .
5 – وحدة الأمة والدين وهذا الأساس أو الرابط ألغى كل الفوارق الطبقية والعرقية، وحرر العقول من كل الأساطير والفلسفات الحائرة والعادات والتقاليد المحكمة ،وبذلك ينفتح العقل على الكون وعلى الفكر الإنساني ككل بنظر فاحص وناقد، فينتج فكرا منيرا وعلما نفعا وعملا صالحا .
II- مصادر التفكير المنهجي في الإسلام
1- الحس هو المصدر الأول للمعرفة البشرية :
قال تعالى « وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ »النحل الآية:(78) فالحس هو مبدأ المعرفة ،ومنه يتدرج الإنسان إلى المعرفة العقلية التي توصل إلى وجود الخالق سبحانه ثم الإيمان به، فيصبح ذلك منطلق التفكير والفهم والقيام بمختلف الأنشطة على هذا الأساس. وهناك الوحي مصدر المعرفة والتوجيه : فالإسلام لم يقف عند الحواس فقط كطريق للمعرفة والوعي. لأن العقل البشري مهما بلغ يبقى ناقصا وقدرته محدودة وخاصة في مجال الغيبيات.
« فالتفكير الإسلامي يتميز بالتوازن في مصادره فهو يستمد من وراء الغيب المحجوب ومن صفحة الكون المشهود ».
2- العقل ( الاستقراء والقياس والتجريب ):
فالعقل مصدر علم الشهادة ،والوحي مصدر علم الكليات وعالم الغيب ،وهما يتكاملان فيما بينهما دون تناقض أو اضطراب. فالعقل له وظيفته ودوره والوحي كذلك فهو يرشد ويوجه العقل حتى لايتيه ويضيع فيما ليس من اختصاصه ومجاله.
3- الكون : ( آيات الأنفس والآفاق ) :
قال تعالى في سورة الأعراف : « أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ...». فالمنهج الإسلامي يوجه الفكر للنظر والتأمل فيما حوله مما خلق الله للدراسة والفهم والتعلم والتعليم كل ذلك وفق شرع الله سبحانه.
III- خصائص منهج التفكير الإسلامي
1) التعدد والتنوع والشمولية : تقتضيه شمولية الإسلام للدنيا والآخرة، للوحي والعقل .فالإسلام يحث العقل المسلم على بذل جهده للوصول إلى اليقين .ويعيب على أهل الظن قال تعالى:« وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)» سورة النجم
2) وحدة المعرفة : التي تربط بين أجزاء الوجود الكوني رغم اختلافها في كل واحد.
3) تكامل عالمي الغيب والشهادة : فالعقل والنقل في منهج التفكير الإسلامي متجاوران ،وكل واحد يخوض في مجاله ،فالعقل مجاله العلم الظاهر ، والوحي مجاله العلم الباطن و الغيب الذي هو من خصائصه سبحانه .
4) العقلانية : فقيمة العقل في الإسلام تقوم على أسس :
- القدرة على اكتشاف العالم الخارجي المتطابق مع الواقع .
- القدرة على الربط والتحليل والاستنتاج للوصول إلى معرفة الله .
- كونه جزءا من عالم الطبيعة وتحكمه قوانينها ، وله حدود ومجالات لا يتجاوزها كالخوض في الغيبيات التي لا يمكنه إدراكها .
5) الوسطية والاعتدال : فالحضارة الإسلامية عبر تاريخها لم تعرف تناقضا بين الروح والجسد أو بين الدنيا والآخرة أو بين الدين والدولة أو بين الدين والعلم ....الخ كما حصل في بعض الحضارات الأخرى.
6) التجديد : والذي يعتبر السبيل لاستمرار الدين وامتداد تأثيره ،ويكون بتجديد للأصول بإزالة ما علق بها من شوائب وآثار سلبية. وللفروع والنوازل المستجدة الناجمة عن تغير أنماط العيش عبر الأزمنة والأمكنة من مؤهل لذلك.
7) الانفتاح والهيمنة : كما حدث في القرنين الثالث والرابع الهجريين حيث ترجم المسلمون كثيرا من المؤلفات الأجنبية المختلفة للاستفادة من منافعها ،واستبعاد كل ما فيه ضرر أو إحداث بلبلة .
8) احتمالية المعرفة الطبيعية : حيث اعتبر كثير من علماء المسلمين وعلى رأسهم «جابر ابن حيان» أن التجربة أساس مهم في دراسة العلوم الطبيعية والكيميائية ،ولكنها لا تضمن اليقين المطلق..
9) الاستناد إلى القيم والمعايير الأخلاقية : حيث نجد أن الشرع الحكيم اشترط الاستقامة والتزام المسؤولية لسلامة العقل و يقظته ليتوجه إلى جلب النفع ودفع الضرر لتحقيق مصالح الناس في دينهم و حياتهم .